كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الدَّلِيلُ الثَّالِثَ عَشَرَ: وَهُوَ الْبَحْثُ الْكَاشِفُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمَسْأَلَةِ- وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: التَّفْضِيلُ إذَا وَقَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَلابد مِنْ مَعْرِفَةِ الْفَضِيلَةِ مَا هِيَ؟ ثُمَّ يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَوْلَى بِهَا؟ وَأَيْضًا فَإِنَّا إنَّمَا تَكَلَّمْنَا فِي تَفْضِيلِ صَالِحِي الْبَشَرِ إذَا كَمُلُوا وَوَصَلُوا إلَى غَايَتِهِمْ وَأَقْصَى نِهَايَتِهِمْ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَنَالُوا الزُّلْفَى وَسَكَنُوا الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَحَيَّاهُمْ الرَّحْمَنُ وَخَصَّهُمْ بِمَزِيدِ قُرْبِهِ وَتَجَلَّى لَهُمْ؛ يَسْتَمْتِعُونَ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَقَامَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي خِدْمَتِهِمْ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ. فَلْيَنْظُرْ الْبَاحِثُ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الغالطين لَمَّا نَظَرُوا فِي الصِّنْفَيْنِ رَأَوْا الْمَلَائِكَةَ بِعَيْنِ التَّمَامِ وَالْكَمَالِ وَنَظَرُوا الْآدَمِيَّ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الْخَسِيسَةِ الْكَدِرَةِ الَّتِي لَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَيْسَ هَذَا بِالْإِنْصَافِ. فَأَقُولُ: فَضْلُ أَحَدِ الذَّاتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى إنَّمَا هُوَ بِقُرْبِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ مَزِيدِ اصْطِفَائِهِ وَفَضْلِ اجْتِبَائِهِ لَنَا وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَا نُدْرِكُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ. هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ وَعَلَى حَسَبِ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ فِي نَفْسِهَا خَبَرٌ مَحْضٌ وَكَمَالٌ صِرْفٌ مِثْلُ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالزَّكَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالطِّيبِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ فَنَتَكَلَّمُ عَلَى الْفَضْلَيْنِ:
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّ جَنَّةَ عَدْنٍ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَرَسَهَا بِيَدِهِ وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَى مَا فِيهَا مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا وَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَقَالَتْ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}. جَاءَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ عَدِيدَةٍ وَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا فِي كُلِّ سَحَرٍ وَهِيَ دَارُهُ فَهَذِهِ كَرَامَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَعْلَيْنَ مُطَّلِعُونَ عَلَى الْأَسْفَلِينَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَلَا يُقَالُ: هَذَا فِي حَقِّ الْمُرْسَلِينَ فَإِنَّهَا إنَّمَا بُنِيَتْ لَهُمْ لَكِنْ لَمْ يَبْلُغُوا بَعْدُ إبَّانَ سُكْنَاهَا وَإِنَّمَا هِيَ مُعَدَّةٌ لَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ ذَاهِبُونَ إلَى كَمَالٍ وَمُنْتَقِلُونَ إلَى عُلُوٍّ وَارْتِفَاعٍ وَهُوَ جَزَاؤُهُمْ وَثَوَابُهُمْ. وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَإِنَّ حَالَهُمْ الْيَوْمَ شَبِيهَةٌ بِحَالِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ ثَوَابَهُمْ مُتَّصِلٌ وَلَيْسَتْ الْجَنَّةُ مَخْلُوقَةً وَتَصْدِيقُ هَذَا قَوْله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. فَحَقِيقَةُ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ غَيْبٌ عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَقَدْ غَيَّبَ عَنْهُمْ أَوَّلًا حَالَ آدَمَ فِي النَّشْأَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا. وَفَضْلُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ يُبَيِّنُ فَضْلَ الْوَاحِدِ مِنْ نَوْعِهِمْ؛ فَالْوَاحِدُ مِنْ نَوْعِهِمْ إذَا ثَبَتَ فَضْلُهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْيَانِ وَالْأَشْخَاصِ ثَبَتَ فَضْلُ نَوْعِهِمْ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ إذْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ ارْتِفَاعُ شَخْصٍ مِنْ أَشْخَاصِ النَّوْعِ الْمَفْضُولِ إلَى أَنْ يَفُوقَ جَمِيعَ الْأَشْخَاصِ وَالْأَنْوَاعِ الْفَاضِلَةِ فَإِنَّ هَذَا تَبْدِيلُ الْحَقَائِقِ وَقَلْبُ الْأَعْيَانِ عَنْ صِفَاتِهَا النَّفْسِيَّةِ؛ لَكِنْ رُبَّمَا فَاقَ بَعْضَ أَشْخَاصِ النَّوْعِ الْفَاضِلِ مَعَ امْتِيَازِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِفَضْلِ نَوْعِهِ وَحَقِيقَتِهِ كَمَا أَنَّ فِي بَعْضِ الْخَيْلِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِ الْخَيْلِ وَلَا يَكُونُ خَيْرًا مِنْ جَمِيعِ الْخَيْلِ. إذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَقَدْ حَدَثَ الْعُلَمَاءُ الْمَرْضِيُّونَ وَأَوْلِيَاؤُهُ الْمَقْبُولُونَ: أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْلِسُهُ رَبُّهُ عَلَى الْعَرْشِ مَعَهُ. رَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ فَضِيلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ؛ فِي تَفْسِيرِ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} وَذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ وَغَيْرِ مَرْفُوعَةٍ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا لَيْسَ مُنَاقِضًا لِمَا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ الشَّفَاعَةُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ وَيَدَّعِيه لَا يَقُولُ إنَّ إجْلَاسَهُ عَلَى الْعَرْشِ مُنْكَرًا.
وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْجَهْمِيَّة وَلَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مُنْكَرٌ-. وَإِذَا ثَبَتَ فَضْلُ فَاضِلِنَا عَلَى فَاضِلِهِمْ ثَبَتَ فَضْلُ النَّوْع عَلَى النَّوْعِ أَعْنِي صَالِحَنَا عَلَيْهِمْ.
وأَمَّا الذَّوَاتُ فَإِنَّ ذَاتَ آدَمَ خَلَقَهَا اللَّهُ بِيَدِهِ وَخَلَقَهَا اللَّهُ عَلَى صُورَتِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا لِشَيْءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَهَذَا بَحْرٌ يَغْرَقُ فِيهِ السَّابِحُ لَا يَخُوضُهُ إلَّا كُلُّ مُؤَيَّدٍ بِنُورِ الْهِدَايَةِ وَإِلَّا وَقَعَ إمَّا فِي تَمْثِيلٍ أَوْ فِي تَعْطِيلٍ. فَلْيَكُنْ ذُو اللُّبِّ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَّ وَرَاءَ عِلْمِهِ مِرْمَاةٌ بَعِيدَةٌ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. وَلْيُوقِنْ كُلَّ الْإِيقَانِ بِأَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ.
الْآثَارُ النَّبَوِيَّةُ حَقٌّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ قَصَرَ عَنْهُ عَقْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُ {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} فَلَا تَلِجْنَ بَابَ إنْكَارٍ وُرُودَ إمْسَاكٍ وَإِغْمَاضٍ- رَدًّا لِظَاهِرِهِ وَتَعَجُّبًا مِنْ بَاطِنِهِ- حِفْظًا لِقَوَاعِدِك الَّتِي كَتَبْتهَا بِقُوَاك وَضَبَطْتهَا بِأُصُولِك الَّتِي عَقَلَتْك عَنْ جَنَابِ مَوْلَاك. إيَّاكَ مِمَّا يُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ التَّنْزِيهِ وتوق التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ؛ الَّذِي هُوَ أَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ؛ وَأَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.
وَأَمَّا الصِّفَاتُ الَّتِي تَتَفَاضَلُ فَمِنْ ذَلِكَ الْحَيَاةُ السَّرْمَدِيَّةُ وَالْبَقَاءُ الْأَبَدِيُّ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَلَيْسَ لِلْمَلَكِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؛ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُنَا هَذِهِ مَنْغُوصَةً بِالْمَوْتِ فَقَدْ أَسْلَفْت أَنَّ التَّفْضِيلَ إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ كَمَالِ الْحَقِيقَتَيْنِ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا الْبَقَاءُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي امْتَازَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ. فَنَقُولُ: غَيْرُ مُنْكَرٍ اخْتِصَاصُ كُلِّ قَبِيلٍ مِنْ الْعِلْمِ بِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فَإِنَّ الْوَحْيَ لِلرُّسُلِ عَلَى أَنْحَاءٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} فَبَيَّنَ أَنَّ الْكَلَامَ لِلْبَشَرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهَا وَاحِدٌ يَكُونُ بِتَوَسُّطِ الْمَلَكِ. وَوَجْهَانِ آخَرَانِ لَيْسَ لِلْمَلَكِ فِيهِمَا وَحْيٌ وَأَيْنَ الْمَلَكُ مِنْ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ وَيَوْمَ الطُّورِ وَتَعْلِيمِ الْأَسْمَاءِ وَأَضْعَافِ ذَلِكَ؟ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ عِلْمَ الْبَشَرِ فِي الدُّنْيَا لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ- وَهُوَ وَاَللَّهُ بَاطِلٌ- فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ يُلْهِمُنِيهَا لَمْ يَفْتَحْهَا عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي».
وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا: أَنَّ الْعِلْمَ مَقْسُومٌ مِنْ اللَّهِ؛ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْغَبِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَيْدِي الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ بَلْ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَصَّ آدَمَ بِعِلْمِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ عِلْمُ الْأَسْمَاءِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ وَحَكَمَ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ لِمَزِيدِ الْعِلْمِ فَأَيْنَ الْعُدُولُ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى بِنْيَاتِ الطَّرِيقِ؟ وَمِنْهَا الْقُدْرَةُ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَلَكَ أَقْوَى وَأَقْدَرُ وَذَكَرَ قِصَّةَ جبرائيل بِأَنَّهُ شَدِيدُ الْقُوَى وَأَنَّهُ حَمَلَ قَرْيَةَ قَوْمِ لُوطٍ عَلَى رِيشَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ فَقَدْ آتَى اللَّهُ بَعْضَ عِبَادِهِ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ فَأَغْرَقَ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ بِدَعْوَةِ نُوحٍ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ».
«وَرُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ». وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ وَجَاءَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي آثَارٍ: إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُزِيلَ جَبَلًا أَوْ الْجِبَالَ عَنْ أَمَاكِنِهَا لَأَزَالَهَا وَأَنْ لَا يُقِيمَ الْقِيَامَةَ لَمَا أَقَامَهَا وَهَذَا مُبَالَغَةٌ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ يُفَضَّلُ بِقُوَّةِ خُلِقَتْ فِيهِ وَهَذَا بِدَعْوَةِ يَدْعُوهَا لِأَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ يُؤَوَّلَانِ إلَى وَاحِدٍ هُوَ مَقْصُودُ الْقُدْرَةِ وَمَطْلُوبُ الْقُوَّةِ وَمَا مِنْ أَجْلِهِ يُفَضَّلُ الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ. ثُمَّ هَبْ أَنَّ هَذَا فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي الْآخِرَةِ؟ وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ: «يَا عَبْدِي أَنَا أَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ أَطِعْنِي أَجْعَلْك تَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ يَا عَبْدِي أَنَا الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَطِعْنِي أَجْعَلْك حَيًّا لَا تَمُوتُ». وَفِي أَثَرٍ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ تَأْتِيهِ التُّحَفُ مِنْ اللَّهِ: مَنْ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ إلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ». فَهَذِهِ غَايَةٌ لَيْسَ وَرَاءَهَا مَرْمَى كَيْفَ لَا وَهُوَ بِاَللَّهِ يَسْمَعُ وَبِهِ يُبْصِرُ وَبِهِ يَبْطِشُ وَبِهِ يَمْشِي؟ فَلَا يَقُومُ لِقُوَّتِهِ قُوَّةٌ. وَأَمَّا الطَّهَارَةُ وَالنَّزَاهَةُ وَالتَّقْدِيسُ وَالْبَرَاءَةُ عَنْ النَّقَائِصِ والمعائب وَالطَّاعَةُ التَّامَّةُ الْخَاصَّةُ لِلَّهِ الَّتِي لَيْسَ مَعَهَا مَعْصِيَةٌ وَلَا سَهْوٌ وَلَا غَفْلَةٌ وَإِنَّمَا أَفْعَالُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ فَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَيْنَ لِلْبَشَرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ؟ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هِيَ أَسْبَابُ الْفَضْلِ كَمَا قِيلَ: لَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا. فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: إنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي الْآخِرَةِ كَانَتْ فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَكْمَل حَالٍ وَأَتَمّ وَجْهٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي تَفْضِيلِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ بَلْ عِنْدَ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ فِي دَارِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ وَجْهٌ قَاطِعٌ لِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ هَذَا الْكَلَامِ فَأَيْنَ هُمْ مِنْ أَقْوَامٍ تَكُونُ وُجُوهُهُمْ مِثْلُ الْقَمَرِ وَمِثْلُ الشَّمْسِ لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَلَا يَبْصُقُونَ مَا فِيهِمْ ذَرَّةٌ مِنْ الْعَيْبِ وَلَا مِنْ النَّقْصِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى فَضْلِ الْآدَمِيِّ وَالْمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ؛ وَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَكُونَانِ فِي الصَّفِّ وَأَجْرُ مَا بَيْنَ صَلَاتِهِمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَقَدْ رُوِيَ: «أَنَّ أَنِينَ الْمُذْنِبِينَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ زَجَلِ الْمُسَبِّحِينَ». وَقَدْ قَالُوا: إنَّ عُلَمَاءَ الْآدَمِيِّينَ مَعَ وُجُودِ الْمُنَافِي وَالْمُضَادِّ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ. ثُمَّ هُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ؛ وَأَمَّا النَّفْعُ الْمُتَعَدِّي وَالنَّفْعُ لِلْخَلْقِ وَتَدْبِيرُ الْعَالَمِ فَقَدْ قَالُوا هُمْ تَجْرِي أَرْزَاقُ الْعِبَادِ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَيَنْزِلُونَ بِالْعُلُومِ وَالْوَحْيِ وَيَحْفَظُونَ وَيُمْسِكُونَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْمَلَائِكَةِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ صَالِحَ الْبَشَرِ لَهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ مِنْهُ وَيَكْفِيك مِنْ ذَلِكَ شَفَاعَةُ الشَّافِعِ الْمُشَفَّعُ فِي الْمُذْنِبِينَ وَشَفَاعَتُهُ فِي الْبَشَرِ كَيْ يُحَاسَبُوا وَشَفَاعَتُهُ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَقَعُ شَفَاعَةُ الْمَلَائِكَةِ وَأَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}؟ وَأَيْنَ هُمْ عَنْ الَّذِينَ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}؟ وَأَيْنَ هُمْ مِمَّنْ يَدْعُونَ إلَى الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً؟ وَأَيْنَ هُمْ مِنْ قوله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَشْفَعُ فِي أَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ». وَأَيْنَ هُمْ مِنْ الْأَقْطَابِ وَالْأَوْتَادِ والأغواث؛ وَالْأَبْدَالِ وَالنُّجَبَاءِ؟
فَهَذَا- هَدَاك اللَّهُ- وَجْهَ التَّفْضِيلِ بِالْأَسْبَابِ الْمَعْلُومَةِ؛ ذَكَرْنَا مِنْهُ أُنْمُوذَجًا نَهَجْنَا بِهِ السَّبِيلَ وَفَتَحْنَا بِهِ الْبَابَ إلَى دَرْكِ فَضَائِلِ الصَّالِحِينَ مَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ وَأُوتِيَ مِنْهُ حَظًّا رَأَى وَرَاءَ ذَلِكَ مَا لَا يُحْصِيه إلَّا اللَّهُ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ قَوْمٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعِلْمِ إلَّا ظَاهِرُهُ وَلَا مِنْ الْحَقَائِقِ إلَّا رُسُومَهَا؛ فَوَقَعُوا فِي بِدَعٍ وَشُبُهَاتٍ وَتَاهُوا فِي مَوَاقِفَ وَمَجَازَاتٍ وَهَا نَحْنُ نَذْكُرُ مَا احْتَجُّوا بِهِ. الْحُجَّةُ الْأُولَى: قَوْله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} وَاَلَّذِي يُرِيدُ إثْبَاتَ ذُلِّ الْأَعَاظِمِ وَانْقِيَادِ الْأَكَابِرِ: إنَّمَا يَبْدَأُ بِالْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مُتَرَقِّيًا إلَى الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى لِيَرْقَى الْمُخَاطَبُ فِي فَهْمِ عَظَمَةِ مَنْ اُنْقِيدَ لَهُ وَأُطِيعَ دَرَجَةً دَرَجَةً؛ وَإِلَّا فَلَوْ فُوجِئَ بِانْقِيَادِ الْأَعْظَمِ ابْتِدَاءً: لَمَا حَصَلَ تَبَيُّنُ مَرَاتِبِ الْعَظَمَةِ؛ وَلَوْ وَقَعَ ذِكْرُ الْأَدْنَى بَعْدَ ذَلِكَ ضَائِعًا؛ بَلْ يَكُونُ رُجُوعًا وَنَقْصًا. وَلِهَذَا جَرَتْ فِطْرَةُ الْخَلْقِ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ لَا يَأْتِينِي وَفُلَانٌ يَأْتِينِي أَيْ كَيْفَ يَسْتَنْكِفُ عَنْ الْإِتْيَانِ إلَيَّ؟ وَفُلَانٌ أَكْرَمُ مِنْهُ وَأَعْظَمُ وَهُوَ يَأْتِينِي وَلَا يُقَالُ لَا يَأْبَى فُلَانٌ أَنْ يُكْرِمَك وَلَا مَنْ هُوَ فَوْقَهُ. فَالِانْتِقَالُ مِنْ الْمَسِيحِ إلَى الْمَلَائِكَةِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهِمْ؛ كَيْفَ وَقَدْ نُعِتُوا بِالْقُرْبِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ الْفَضَائِلِ.
والْجَوَابُ: زَعَمَ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ عَطْفِ الْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى؛ وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ سَاذَجٌ. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا عَبَدُوا الْمَسِيحَ وَزَعَمُوا أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَقَوْمًا عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ وَزَعَمُوا أَنَّهَا بَنَاتُ اللَّهِ كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْفَرِيقَيْنِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدْتُمُوهُمْ مِنْ دُونِي هُمْ عِبَادِي لَنْ يَسْتَنْكِفُوا عَنْ عِبَادَتِي وَأَنَّهُمَا لَوْ اسْتَنْكَفَا عَنْ عِبَادَتِي لَعَذَّبْتهمَا عَذَابًا أَلِيمًا وَالْمَسِيحُ هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ مِنْ نَوْعِ الْبَشَرِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَتِهِ. ثُمَّ نَقُولُ: إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى: فَاعْلَمْ- نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَك وَشَرَحَ صَدْرَك لِلْإِسْلَامِ- أَنَّ لِلْمَلَائِكَةِ خَصَائِصَ لَيْسَتْ لِلْبَشَرِ؛ لاسيما فِي الدُّنْيَا. هَذَا مَا لَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ لَبِيبٌ أَنَّهُمْ الْيَوْمَ عَلَى مَكَانٍ وَأَقْرَبُ إلَى اللَّهِ وَأَظْهَرُ جُسُومًا وَأَعْظَمُ خُلُقًا وَأَجْمَلُ صُوَرًا وَأَطْوَلُ أَعْمَارًا وَأَيْمَنُ آثَارًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ مِمَّا نَعْلَمُهُ وَمِمَّا لَا نَعْلَمُهُ. وَلِلْبَشَرِ أَيْضًا خَصَائِصُ وَمَزَايَا؛ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي مَجْمُوعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَزِيَّتَيْنِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: هَذَا طَرِيقٌ مُمَهِّدٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا. وَهُوَ وَرَاءَ ذَلِكَ؛ فَحَيْثُ جَرَى مَا يُوجِبُ تَفْضِيلَ الْمَلَكِ فَلَمَّا تَمَيَّزُوا بِهِ وَاخْتَصُّوا بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَنْبَغِي لِمَنْ دُونَهُمْ فِيهَا أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ فِيمَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِهَا. وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسِيحَ لَوْ فُرِضَ اسْتِنْكَافُهُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ: فَإِنَّمَا هُوَ لِمَا أَيَّدَهُ اللَّهُ مِنْ الْآيَاتِ كَمَا أَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأَحْيَا الْمَوْتَى وَغَيْرَ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ فِي خَلْقِهِ عَنْ بَنِي آدَمَ وَفِي عُزُوفِهِ عَنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: أُعْطِيَ الزُّهْدَ؛ وَمَا مِنْ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ إلَّا وَالْمَلَائِكَةُ أَظْهَرُ مِنْهُ فِيهَا فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ أَبَوَيْنِ وَمِنْ غَيْرِ أُمٍّ؛ وَقَدْ كَانَ فَرَسُ جِبْرِيلَ يَحْيَى بِهِ التُّرَابُ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْهِ؛ وَعِلْمُ مَا يَدَّخِرُ الْعِبَادُ فِي بُيُوتِهِمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ سَهْلٌ. وَفِي حَدِيثِ: «أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى: أَنَّ الْمَلَكَ مَسَحَ عَلَيْهِمْ فَبَرَءُوا» فَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا عُبِدَ الْمَسِيحُ وَجُعِلَ ابْنَ اللَّهِ عز وجل لِلْمَلَائِكَةِ مِنْهَا أَوْفَرُ نَصِيبٍ وَأَعْلَى مِنْهَا وَأَعْظَمُ مِمَّا لِلْمَسِيحِ وَهُمْ لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ فَهُوَ أَحَقّ خَلْقٍ أَنْ لَا يَسْتَنْكِفَ؛ وَأَمَّا الْقُرْبُ مِنْ اللَّهِ وَالزُّلْفَى لَدَيْهِ فَأُمُورٌ وَرَاءَ هَذِهِ الْآيَاتِ. وَأَيْضًا فَأَقْصَى مَا فِيهَا تَفْضِيلُهُمْ عَلَى الْمَسِيحِ؛ إذْ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ وَأَمَّا إذَا اسْتَقَرَّ فِي الْآخِرَةِ وَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا لَسْت أَذْكُرُ: فَمِنْ أَيْنَ يُقَالُ إنَّهُمْ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ؟ الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تعالى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إنِّي مَلَكٌ} وَمِثْلُهُ فِي هُودٍ فَالِاحْتِجَاجُ فِي هَذَا مِنْ وُجُوهٍ:- أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَرَنَ اسْتِقْرَارَ خَزَائِنِهِ وَعِلْمَ الْغَيْبِ بِنَفْيِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَلَكٌ وَسَلَبَهَا عَنْ نَفْسِهِ فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ حَالُ مَنْ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْخَزَائِنِ أَفْضَلَ مِنْ حَالِ مَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَالُ الْمَلَكِ أَفْضَلَ مِنْ حَالِ مَنْ لَيْسَ بِمَلَكٍ وَإِنْ كَانَ نَبِيَّنَا كَمَا فِي الْآيَةِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ إنَّمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ حَالًا أَعْظَمَ مِنْ حَالِهِ الثَّابِتَةِ وَلَمْ يَنْفِ حَالًا دُونَ حَالِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِالْأَعْلَى فَهُوَ عَلَى مَا دُونَهُ أَقْدَرُ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَالَ الْمَلَكِ أَفْضَلُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَثَالِثُهَا: مَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْلَا مَا اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ أَنَّ الْمَلَكَ أَعْظَمُ؛ لَمَا حَسُنَ مُوَاجَهَتُهُمْ بِسَلْبِ شَيْءٍ هُوَ دُونَ مَرْتَبَتِهِ وَهَذَا الِاعْتِقَادُ الَّذِي كَانَ فِي نُفُوسِ الْمُخَاطَبِينَ: أَمْرٌ قُرِّرُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِمْ فَثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ. وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْغَيْبِ وَعِنْدَهُ خَزَائِنُ اللَّهِ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ مَلَكًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَتَمَتَّعُ؛ وَإِذَا نَفَى ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ: لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكُ أَفْضَلَ مِنْهُ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَلَا أَنَا كَاتِبٌ وَلَا أَنَا قَارِئٌ لَمْ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْكَاتِبَ وَالْقَارِئَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ بِكَاتِبِ وَلَا قَارِئٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ حُجَّةٌ. وَأَيْضًا مَا قَالَ الْقَاضِي إنَّهُمْ طَلَبُوا صِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْغِنَى: وَهِيَ: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ غَنِيًّا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ- فَسَلَبَ عَنْ نَفْسِهِ صِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} وَقَالَ تعالى مُحْتَجًّا عَنْهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إلَّا إنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} فَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مِنْهُ صِفَةَ الْمَلَائِكَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِهَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ صَمَدٌ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَالْبَشَرُ لَهُمْ أَجْوَافٌ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؛ فَكَانَ الْأَمْرُ إلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا بَيِّنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْآخَرَ أَكْمَل فِي أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ حَالَ الْمَلَكِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَضِيلَةٌ يَمْتَازُ بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِيمَا ذَكَرَ مِنْ حَالِ الْمَلَكِ وَعَظَمَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَشَرِ مِنْ نَوْعِهِ مِثْلُهُ؛ وَلَكِنْ لَمْ لَا قُلْت مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ لِلْبَشَرِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ؟ وَلِهَذَا إذَا سُئِلَ الْإِنْسَانُ عَمَّا يَعْجِزُ عَنْهُ: قَدْ يَقُولُ لَسْت بِمَلَكٍ وَإِنْ كَانَ الْمُؤْمِنُ أَفْضَلَ مِنْ حَالِ الْجِنِّ وَالْمَلِكِ مِنْ الْمُلُوكِ. وَثَالِثُهَا أَنَّ أَقْصَى مَا فِيهِ تَفْضِيلُ الْمَلَكِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَعْدُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَلَكِ؛ وَلِهَذَا تَزِيدُ قُدْرَتُهُ وَعِلْمُهُ وَغِنَاهُ فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ الصَّبِيُّ: لَا أَقُولُ إنِّي شَيْخٌ وَلَا أَقُولُ إنِّي عَالِمٌ وَمِنْ الْمُمْكِنِ تَرَقِّيه إلَى ذَلِكَ وَأَكْمَلَ مِنْهُ. الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُ إبْلِيسَ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ: {إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} تَقْدِيرُهُ كَرَاهَةُ أَنْ تَكُونَا أَوْ لِئَلَّا تَكُونَا؛ فَلَوْلَا أَنَّ كَوْنَهُمَا مَلَكَيْنِ حَالَةٌ هِيَ أَكْمَلُ مِنْ كَوْنِهِمَا بَشَرَيْنِ: لَمَا أَغْرَاهُمَا بِهَا وَلَمَا ظَنَّا أَنَّهَا هِيَ الْحَالَةُ الْعُلْيَا؛ وَلِهَذَا قَرَنَهَا بِالْخُلُودِ وَالْخَالِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْفَانِي وَالْمَلَكُ أَطْوَلُ حَيَاةً مِنْ الْآدَمِيِّ فَيَكُونُ أَعْظَمَ عِبَادَةً وَأَفْضَلَ مِنْ الْآدَمِيِّ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّ قَوْلَهُ: {إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} ظَنٌّ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خَيْرٌ مِنْهُمَا كَمَا ظَنَّ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آدَمَ وَكَانَ مُخْطِئًا. وَقَوْلُهُ: {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمَا يُؤْثِرَانِ الْخُلُودَ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَوْجَاعِ وَالْآفَاتِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْخَالِدَ فِي الْجَنَّةِ هَذِهِ حَالُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ هَذَا مَخْرَجَ التَّفْضِيلِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُورَ وَالْوِلْدَانَ الْمَخْلُوقِينَ فِي الْجَنَّةِ خَالِدُونَ فِيهَا وَلَيْسُوا بِأَفْضَلَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ؟ وَثَانِيهَا أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَكَذَلِكَ الْخُلُودُ آثَرُ عِنْدَهُمَا فَمَالَا إلَيْهِ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ حَالَهُمَا تِلْكَ كَانَتْ حَالَ ابْتِدَاءٍ لَا حَالَ انْتِهَاءٍ فَإِنَّهُمَا فِي الِانْتِهَاءِ قَدْ صَارَا إلَى الْخُلُودِ الَّذِي لَا حَظْرَ فِيهِ وَلَا مَعَهُ وَلَا يَعْقُبُهُ زَوَالٌ وَكَذَلِكَ يَصِيرَانِ فِي الِانْتِهَاءِ إلَى حَالٍ هِيَ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ مِنْ حَالِ الْمَلَكِ الَّذِي أَرَادَاهَا أَوَّلًا وَهَذَا بَيِّنٌ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} فَبَدَأَ بِهِمْ وَالِابْتِدَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَفْضَلِ وَالْأَشْرَفِ فَالْأَفْضَلُ وَالْأَشْرَفُ كَمَا بَدَأَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} فَبَدَأَ بِالْأَكْمَلِ وَالْأَفْضَلِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الِابْتِدَاءَ قَدْ يَكُونُ كَثِيرًا بِغَيْرِ الْأَفْضَلِ بَلْ يُبْتَدَأُ بِالشَّيْءِ لِأَسْبَابِ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا فِي قَوْله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ} وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ نُوحًا أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُؤْمِنِ؛ فَلَعَلَّهُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- إنَّمَا بَدَأَ بِهِمْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَسْبَقُ خَلْقًا وَرِسَالَةً؛ فَإِنَّهُمْ أُرْسِلُوا إلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ؛ فَذَكَرَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ: فِي الْخَلْقِ وَالرِّسَالَةِ: عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْوُجُودِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} وَالذُّكُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِنَاثِ. وَقَالَ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} الْآيَاتِ. و{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَدُلّ التَّقْدِيمُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى فَضْلِ الْمَبْدُوءِ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّقْدِيمَ لَيْسَ لَازِمًا لِلْفَضْلِ. الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ مِنْ الْبَشَرِ وَهُنَّ إنَّمَا أَرَدْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُنَّ حَالٌ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ حَالِ الْبَشَرِ. وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ.
أَحَدُهُمَا أَنَّهُنَّ لَمْ يَعْتَقِدْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَحْسَنُ مِنْ جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُمْ لِمُخْبِرٍ أَخْبَرَهُمْ فَسَكَنَ إلَى خَبَرِهِ فَلَمَّا هَالَهُنَّ حُسْنُهُ قُلْنَ: {مَا هَذَا بَشَرًا إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} لِأَنَّ هَذَا الْحُسْنَ لَيْسَ بِصِفَةِ بَشَرٍ. وَثَانِيهُمَا: أَنَّهُنَّ اعْتَقَدْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خَيْرٌ مِنْ النَّبِيِّينَ فَكَانَ هَذَا الِاعْتِقَادُ خَطَأً مِنْهُنَّ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقْرَنْ بِالْإِنْكَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ فَإِنَّ قَوْلَهُنَّ: {مَا هَذَا بَشَرًا} خَطَأٌ. وَقَوْلُهُنَّ: {إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} خَطَأٌ أَيْضًا فِي غَيْبَتِهِنَّ عَنْهُ أَنَّهُ بَشَرٌ وَإِثْبَاتُهُنَّ أَنَّهُ مَلَكٌ وَإِنْ لَمْ يُقْرَنْ بِالْإِنْكَارِ: دَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ وَأَنَّ قَوْلَهُنَّ: {مَا هَذَا بَشَرًا إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} خَطَأٌ فِي نَفْيِهِنَّ عَنْهُ الْبَشَرِيَّةَ وَإِثْبَاتِهِنَّ لَهُ الْمَلَائِكِيَّةَ؛ وَإِنْ لَمْ يُقْرَنْ بِالْإِنْكَارِ لِغَيْبَةِ عُقُولِهِنَّ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ فَلَمْ يُلَمْنَ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى ذَلِكَ. وَأَقُولُ أَيْضًا: إنَّ النِّسْوَةَ لَمْ يَكُنَّ يَقْصِدْنَ أَنَّهُ نَبِيٌّ؛ بَلْ وَلَا أَنَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ إذْ ذَاكَ وَلَمْ يَشْهَدْنَ لَهُ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبَشَرِ فِي الصَّلَاحِ وَالدِّينِ وَإِنَّمَا شَهِدْنَ بِالْفَضْلِ فِي الْجَمَالِ وَالْحُسْنِ وَسَبَاهُنَّ جَمَالُهُ فَشَبَّهْنَهُ بِحَالِ الْمَلَائِكَةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّفْضِيلِ فِي شَيْءٍ مِنْ الَّذِي نُرِيدُ. ثُمَّ نَقُولُ: إذَا كَانَ التَّفْضِيلُ بِالْجَمَالِ حَقًّا: فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ تَدْخُلُ الزُّمْرَةُ الْأُولَى وَوُجُوهُهُمْ كَالشَّمْسِ وَاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَالْقَمَرِ الْحَدِيثِ؛ فَهَذِهِ حَالُ السُّعَدَاءِ عِنْدَ الْمُنْتَهَى وَإِنْ كَانَ فِي الْجَمَالِ وَالْمَلَكِ تَفْضِيلٌ: فَإِنَّمَا هُوَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ لِعِلْمِ عَلِمَهُ النِّسَاءُ وَأَكْثَرُ النَّاسِ.
وَأَمَّا مَا فَضَّلَ اللَّهُ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ وَمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ مِنْ الْكَرَامَةِ: فَأَكْثَرُ النَّاسِ عَنْهُ بِمَعْزِلِ لَيْسَ لَهُمْ نَظَرٌ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي غَبَطَتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ مَا خَلَقَهُمْ وَهُوَ مِمَّا بِهِ يُفَضِّلُونَ. فَهَذَا الْجَوَابُ وَمَا قَبْلَهُ. الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تعالى: {إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} فَهَذِهِ صِفَةُ جبرائيل. ثُمَّ قَالَ: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} فَوَصَفَ جبرائيل بِالْكَرَمِ وَالرِّسَالَةِ وَالْقُوَّةِ وَالتَّمْكِينِ عِنْدَهُ وَأَنَّهُ مُطَاعٌ وَأَنَّهُ أَمِينٌ فَوَصَفَهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} فَأَضَافَ الرَّسُولُ الْبَشَرِيُّ إلَيْنَا وَسَلَبَ عَنْهُ الْجُنُونَ وَأَثْبَتَ لَهُ رُؤْيَةَ جبرائيل وَنَفَى عَنْهُ الْبُخْلَ وَالتُّهْمَةَ وَفِي هَذَا تَفَاوُتٌ عَظِيمٌ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَبَيْنَ الصِّفَاتِ وَالنِّعَمِ وَهَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ زَلَّ بِهِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ. وَالْجَوَابُ: أَوَّلًا: أَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} إلَى آخِرِهَا وَقَوْلِهِ: {وَالضُّحَى} {وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى}؟ وَقَوْلُهُ: {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} الْآيَاتِ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}؟ وَأَيْنَ هُوَ عَنْ قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ الَّتِي تَأَخَّرَ فِيهَا جبرائيل عَنْ مَقَامِهِ؟ ثُمَّ أَيْنَ هُوَ عَنْ الْخَلَّةِ؟ وَهُوَ التَّقْرِيبُ؛ فَهَذَا نِزَاعُ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْرَهُ.
ثُمَّ نَقُولُ ثَانِيًا: لَمَّا كَانَ جبرائيل هُوَ الَّذِي جَاءَ بِالرِّسَالَةِ وَهُوَ صَاحِبُ الْوَحْيِ وَهُوَ غَيْبٌ عَنْ النَّاسِ؛ لَمْ يَرَوْهُ بِأَبْصَارِهِمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلَامَهُ بِآذَانِهِمْ وَزَعَمَ زَاعِمُونَ أَنَّ الَّذِي يَأْتِيه شَيْطَانٌ يُعَلِّمُهُ مَا يَقُولُ أَوْ أَنَّهُ إنَّمَا يُعَلِّمُهُ إيَّاهُ بَعْضُ الْإِنْسِ. أَخْبَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ أَنَّ الرَّسُولَ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَنَعَتَهُ أَحْسَنَ النَّعْتِ. وَبَيَّنَ حَالَهُ أَحْسَنَ الْبَيَانِ وَذَلِكَ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ تَشْرِيفٌ لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَفَى عَنْهُ مَا زَعَمُوهُ وَتَقْرِيرٌ لِلرِّسَالَةِ؛ إذْ كَانَ هُوَ صَاحِبُهُ الَّذِي يَأْتِي بِالْوَحْيِ فَقَالَ: {إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} أَيْ أَنَّ الرَّسُولَ الْبَشَرِيَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُبَلِّغٌ يَقُولُ مَا قِيلَ لَهُ؛ فَكَانَ فِي اسْمِ الرَّسُولِ إشَارَةٌ إلَى مَحْضِ التَّوَسُّطِ وَالسِّعَايَةِ. ثُمَّ وَصَفَهُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي تَنْفِي كُلَّ عَيْبٍ؛ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْمُكْنَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ حَالُ الرَّسُولِ الْمَلَكِيِّ بَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ جِهَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجِيءُ إلَّا بِالْخَيْرِ. وَكَانَ الرَّسُولُ الْبَشَرِيُّ مَعْلُومٌ ظَاهِرُهُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الَّذِي يُبَلِّغُهُمْ الرِّسَالَةَ وَلَوْلَا هَؤُلَاءِ لَمَا أَطَاقُوا الْأَخْذَ عَنْ الرَّسُولِ الْمَلَكِيِّ؛ وَإِنَّمَا قَالَ: {صَاحِبُكُمْ} إشَارَةً إلَى أَنَّهُ قَدْ صَحِبَكُمْ سِنِينَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا سَابِقَةَ لَهُ بِمَا تَقُولُونَ فِيهِ وَتَرْمُونَهُ؛ مِنْ الْجُنُونِ وَالسِّحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَأَنَّهُ لَوْلَا سَابِقَتُهُ وَصُحْبَتُهُ إيَّاكُمْ لَمَا اسْتَطَعْتُمْ الْأَخْذَ عَنْهُ؛ أَلَا تَسْمَعَهُ يَقُولُ: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا}- تَمْيِيزًا- مِنْ الْمُرْسَلِينَ؛ ثُمَّ حَقَّقَ رِسَالَتَهُ بِأَنَّهُ رَأَى جبرائيل وَأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ عَنْهُ فَقَامَ أَمْرُ الرِّسَالَةِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ وَجَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَبْلَغِ وَالْأَكْمَلِ وَالْأَصْلَحِ. وَقَدْ احْتَجُّوا بِآيَاتِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَقَاصِدِهَا؛ مِنْ وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ بِالتَّسْبِيحِ وَالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ: الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ الصَّحِيحُ عَنْ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ».
وَالْمَلَأُ الَّذِي يَذْكُرُ اللَّهَ الذَّاكِرَ فِيهِ هُمْ: الْمَلَائِكَةُ وَقَدْ نَطَقَ الْحَدِيثُ بِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَأِ الَّذِينَ يَذْكُرُ الْعَبْدُ فِيهِمْ رَبَّهُ وَخَيْرٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَمْ مِنْ مَلَإٍ ذُكِرَ اللَّهُ فِيهِ وَالرَّسُولُ حَاضِرٌ فِيهِمْ؛ بَلْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسِ الرَّسُولِ كُلِّهِمْ فَأَيْنَ الْعُدُولُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَهُوَ أَجْوَدُ وَأَقْوَى مَا احْتَجُّوا بِهِ وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَضْعَفُ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّ الْخَيْرَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الذِّكْرِ لَا إلَى الْمَذْكُورِ فِيهِمْ تَقْدِيرُهُ ذَكَرْته ذِكْرًا خَيْرًا مِنْ ذَكَرَهُ لِأَنَّ ذَكَرَ اللَّهِ كَلَامُهُ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءِ فَإِنَّ الْخَيْرَ مَجْرُورٌ صِفَةٌ لِلْمَلَإِ وَقَدْ وَصَلَ بِقَوْلِهِ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقُلْ مِنْهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ الْمَعْنَى لَقِيلَ ذَكَرْته فِي مَلَإٍ خَيْرًا مِنْهُ بِالنَّصْبِ وَصِلَةُ الضَّمِيرِ الذِّكْرُ. وَهَذَا مِنْ أَوْضَحِ الْكَلَامِ لِمَنْ لَهُ فِقْهٌ بِالْعَرَبِيَّةِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّنَطُّعِ. وَثَانِيهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ عُمُومًا مَقْصُودًا شَامِلًا كَيْفَ لَا؛ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ هُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ وَمَجَالِسُهُمْ مَجَالِسُ الرَّحْمَةِ؟ فَكَيْفَ يَجِيءُ اسْتِثْنَاؤُهُمْ؟ لَكِنْ هُنَا أَوْجُهٌ مُتَوَجِّهَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَلَأَ الْأَعْلَى الَّذِينَ يَذْكُرُ اللَّهَ مَنْ ذَكَرَهُ فِيهِمْ: هُمْ صَفْوَةُ الْمَلَائِكَةِ وَأَفْضَلُهُمْ وَالذَّاكِرُ فِيهِمْ لِلْعَبْدِ هُوَ اللَّهُ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَضَ عَلَى مُوَازَنَةِ أَفْضَلِ بَنِي آدَمَ يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِسِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ الْبَشَرِ لَكِنْ الَّذِينَ حَوْلَهُ لَيْسَ أَفْضَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْبَشَرِ الْفُضَلَاءِ فَإِنَّ الرُّسُلَ وَالْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ. وَثَانِيهَا: أَنَّ مَجْلِسَ أَهْلِ الْأَرْضِ إنْ كَانَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءُ يَذْكُرُ الْعَبْدُ فِيهِمْ رَبَّهُ: فَاَللَّهُ تَعَالَى يَذْكُرُ الْعَبْدَ فِي جَمَاعَاتٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَكْثَرَ مِنْ أُولَئِكَ فَيَقَعُ الْخَيْرُ لِلْكَثْرَةِ الَّتِي لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ كُلَّمَا كَثُرُوا كَانُوا خَيْرًا مِنْ الْقَلِيلِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَعَلَّهُ فِي الْمَلَإِ الْأَعْلَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَذْكُرُ اللَّهُ الْعَبْدَ فِيهِمْ؛ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ هُنَاكَ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالْأَفْضَلِ فَيُقَالُ الْخَيْرُ لِلْأَنْفَعِ.
وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَلَأَ الْأَعْلَى أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ الذَّاكِرِينَ إلَّا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكْمُلُوا بَعْدُ وَلَمْ يَصْلُحُوا أَنْ يَصِيرُوا أَفْضَلَ مِنْ الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَالْمَلَأُ الْأَعْلَى خَيْرٌ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا يَكُونُ الشَّيْخُ الْعَاقِلُ خَيْرًا مِنْ عَامَّةِ الصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ فِيهِ مِنْ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ فِي الصِّبْيَانِ وَلَعَلَّ فِي الصِّبْيَانِ فِي عَاقِبَتِهِ أَفْضَلَ مِنْهُ بِكَثِيرِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَى عَاقِبَةِ الْأَمْرِ وَمُسْتَقَرِّهِ. فَلْيُتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ جَوَابٌ مُعْتَمَدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ خَلْقِهِ وَأَفَاضِلِهِمْ وَأَحْكَمُ فِي تَدْبِيرِهِمْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. هَذَا مَا تَيَسَّرَ تَعْلِيقُهُ وَأَنَا عَجْلَانُ فِي حِينٍ مِنْ الزَّمَانِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَهُوَ الْمَسْئُولُ أَنْ يَهْدِيَ قُلُوبَنَا وَيُسَدِّدَ أَلْسِنَتَنَا وَأَيْدِيَنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. اهـ.